فالحذَرَ الحذر أيها الرجل، من أن تكره شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ترده لأجل هواك، أو انتصارًا لمذهبك، أو / لشيخك، أو لأجل اشتغالك بالشهوات، أو بالدنيا، فإن الله لم يوجب على أحد طاعة أحد إلا طاعة رسوله، والأخذ بما جاء به، بحيث لو خالف العبد جميع الخلق، واتبع الرسول ما سأله الله عن مخالفة أحد، فإن من يطيع أو يطاع، إنما يطاع تبعًا للرسول، وإلا لو أمر بخلاف ما أمر به الرسول، ما أطيع. فاعلم ذلك واسمع، وأطع واتبع، ولا تبتدع، تكن أبتر مردودًا عليك عملك، بل لا خير في عمل أبتر من الاتباع، ولا خير في عامله. والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ [ الكوثر : ١ ]، تدل هذه الآية على عطية كثيرة صادرة عن معطٍ كبير غني واسع. وأنه ـ تعالى ـ وملائكته وجنده معه. صدر الآية [ بإنَّ ] الدالة على التأكيد، وتحقيق الخبر، وجاء الفعل بلفظ الماضي الدال عن التحقيق، وأنه أمر ثابت واقع، ولا يدفعه ما فيه من الإيذان، بأن إعطاء الكوثر سابق في القدر الأول حين قُدِّرت مقادير الخلائق، قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة، وحذف موصوف الكوثر ليكون أبلغ في العموم؛ لما فيه من عدم التعيين، وأتي بالصفة، أي : أنه ـ سبحانه وتعالى ـ قال :﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾، فوصفه بالكوثر، والكوثر المعروف إنما هو نهر في الجنة، كما قد وردت به الأحاديث الصحيحة الصريحة. وقال ابن عباس : الكوثر : إنما هو من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه، وإذا كان أقل أهل / الجنة من له فيها مثل الدنيا عشر مرات، فما الظن بما لرسول الله ﷺ مما أعده الله له فيها ؟ ! فالكوثر علامة وإمارة على تعدد ما أعده الله له من الخيرات، واتصالها وزيادتها، وسمو المنزلة وارتفاعها. وإن ذلك النهر ـ وهو الكوثرـ أعظم أنهار الجنة وأطيبها ماء، وأعذبها وأحلاها وأعلاها.