وذلك أنه أتى فيه بلام التعريف الدالة على كمال المسمي وتمامه. كقوله : زيد العَالِم، زيد الشجاع، أي : لا أعلم منه ولا أشجع منه، وكذلك قوله :﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾، دل على أنه أعطاه الخير كله كاملا موفرًا، وإن نال منه بعض أمته شيئًا، كان ذلك الذي ناله ببركة اتباعه، والاقتداء به، مع أن له ﷺ مثل أجره من غير أن ينقص من أجر المتبع له شيء ففيه الإشارة إلى أن الله ـ تعالى ـ يعطيه في الجنة بقدر أجور أمته. كلهم من غير أن ينتقص من أجورهم، فإنه هو السبب في هدايتهم، ونجاتهم، فينبغي -بل يجب- على العبد اتباعه والاقتداء به، وأن يمتثل ما أمره به، ويكثر من العمل الصالح صومًا وصلاة وصدقة وطهارة؛ ليكون له مثل أجره، فإنه إذا فعل المحظورات، فات الرسول مثل أجر ما فرط فيه من الخير، فإن فعل المحظور مع ترك المأمور قوي وزره، وصعبت نجاته؛ لارتكابه المحظور وتركه المأمور، وإن فعل المأمور وارتكب المحظور، دخل فيمن يشفع / فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، لكونه ناله مثل أجر ما فعله من المأمور، وإلى الله إياب الخلق، وعليه حسابهم، وهو أعلم بحالهم، أي : بأحوال عباده، فإن شفاعته لأهل الكبائر من أمته، والمحسن إنما أحسن بتوفيق الله له، والمسيء لا حجة له ولا عذر.
والمقصود أن الكوثر نهر في الجنة، وهو من الخير الكثير الذي أعطاه الله رسوله ﷺ في الدنيا والآخرة، وهذا غير ما يعطيه الله من الأجر الذي هو مثل أجور أمته إلى يوم القيامة، فكل من قرأ، أو علم أو عمل صالحًا، أو علم غيره، أو تصدق، أو حج، أو جاهد، أو رابط، أو تاب، أو صبر، أو توكل، أو نال مقامًا من المقامات القلبية من خشية وخوف ومعرفة وغير ذلك، فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر ذلك العامل. والله أعلم.