وكذلك إذا قيل :﴿ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾، أي : في الماضي. فسواء أريد بما يعبدون الحال أو الاستقبال إنما نفي عبادة ما عبدوه في الماضي. وهذا أنقص لمعنى الآية. وكيف يتبرأ في المستقبل من عبادة ما عبدوه في الماضي فقط ؟ وكذلك هم ؟.
وإن قيل : في المستقبل قد يعبدون الله بالانتقال عن الكفر، فهو في الحال والاستقبال لا يعبد ما عبدوه، قيل : فعلى هذا، لا يقال لهؤلاء ! ولا أنتم عابدون في المستقبل ما عبدت في الماضي، بل قد يعبدون في المستقبل ـ إذا انتقلوا ـ ربه الذي عبده فيما مضي.
وإن قيل : قول هؤلاء هو القول الثاني ـ لا أعبد في الحال ما تعبدون في الحال، ولا أعبد في المستقبل ما تعبدون في المستقبل ـ قيل : ولفظ الآية ﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾، ليس لفظها [ ولا أنا عابد ما تعبدون ]. فقوله :﴿ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾، إن أريد به الماضي الذي أراده هؤلاء، فسد المعنى. وإن أريد به المستقبل، بطل ما ذكروه من أن المضارع بمعنى الماضي في قوله :﴿ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾، فإن الماضي ـ هنا ـ بمعنى المضارع. فإذا كان المضارع مطابقًا له بقي مضارعًا ـ لم ينقل إلى الماضي ـ فيكون عكس المقصود.
والقول الرابع الذي ذكره قول من جعل [ ما ] مصدرية في الجملةالثانية دون الأخرى. وهذا ـ أيضًا ـ ليس في الكلام ما يدل على الفرق بينهما. وإذا جعلت في الجمل كلها مصدرية كان أقرب إلى الصواب مع أن هذا المعنى الذي تدل عليه [ ما ] المصدرية حاصل بقوله [ ما ]. فإنه لم يقل :[ ولا أنتم عابدون من أعبد ]، بل قال :﴿ مَا أَعْبُدُ ﴾


الصفحة التالية
Icon