والسورة لم يقل فيها :[ يا أيها المشركون ] حتى يقال فيها : إنها / إنما تناولت من أشرك. بل قال :﴿ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾، فتناولت كل كافر، سواء كان ممن يظهر الشرك، أو كان فيه تعطيل لما يستحقه الله واستكبار عن عبادته. والتعطيل شر من الشرك، وكل معطل فلابد أن يكون مشركًا.
والنصارى ـ مع شركهم ـ لهم عبادات كثيرة، واليهود من أقل الأمم عبادة وأبعدهم عن العبادة الله وحده. لكن قد يعرفون مالا تعرفه النصارى، لكن بلا عبادة وعمل بالعلم. فهم مغضوب عليهم، وأولئك ضالون. وكلاهما قد برأ الله منهم رسوله والمؤمنين.
وفي هذه الأمة من يعرف ما لا تعرفه اليهود والنصارى بلا عمل بالعلم، ففيهم شبه، كما قال سُفيان بن عُيَيْنة : من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى. بل قد قال أبو هريرة : ما أقرب الليلة من البارحة، أنتم أشبه الناس ببني إسرائيل. بل في الحديث الصحيح :( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ). قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال :( فمن ؟ ) وفي رواية : فارس والروم ؟ قال :( ومَنِ الناس إلا أولئك ؟ ).
وقال :( افترقت اليهود على إحدي وسبعين فرقة، وافترقت / النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة ).
وقد بُسِط هذا في غير هذا الموضع، وبُيِّن فيه حال الفرقة الناجية الذين هم على مثل ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه.
ومما يوضح ما تقدم أن قوله :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ [ الكافرون : ٢، ٣ ]، معناه المعبود. ولكن هو لفظ مطلق يتناول الواحد والكثير، والمذكر والمؤنث. فهو يتناول كل معبود لهم.