وباعتبار القوى الثلاث، انقسمت الأمم التي هى أفضل الجنس الإنسانى، وهم العرب والروم والفرس. فإن هذه الأمم هى التي ظهرت فيها الفضائل الإنسانية، وهم سكان وسط الأرض طولا وعرضا، فأما من سواهم كالسودان والترك ونحوهم فتبع.
فغلب على العرب القوة العقلية النطقية، واشتق اسمها من وصفها، فقيل لهم : عرب من الأعراب، وهو البيان والإظهار، وذلك خاصة القوة المنطقية.
وغلب على الروم القوة الشهوية من الطعام والنكاح ونحوهما، واشتق اسمها من ذلك فقيل لهم : الروم، فإنه يقال : رمت هذا أرومه إذا طلبته واشتهيته.
وغلب على الفرس القوة الغضبية من الدفع والمنع والاستعلاء والرياسة، واشتق اسمها من ذلك، فقيل : فرس، كما يقال : فرسه يفرسه إذا قهره وغلبه.
ولهذا توجد هذه الصفات الثلاث غالبة على الأمم الثلاث حاضرتها وباديتها؛ ولهذا كانت العرب أفضل الأمم، وتليها الفرس؛ لأن القوة الدفعية أرفع، وتليها الروم.

فصل


وباعتبار هذه القوى كانت الفضائل ثلاثاً : فضيلة العقل، والعلم والإيمان : التي هى كمال القوة المنطقية، وفضيلة الشجاعة : التي هى كمال القوة الغضبية، وكمال الشجاعة هو الحلم، كما قال النبى ﷺ :( ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )، والحلم والكرم ملزوزان فى قرن، كما أن كمال القوة الشهوية العفة، فإذا كان الكريم عفيفاً والسخى حليما اعتدل الأمر.
وفضيلة السخاء والجود التي هى كمال القوة الطلبية الحبية، فإن السخاء يصدر عن اللين والسهولة ورطوبة الخلق، كما تصدر الشجاعة عن / القوة والصعوبة ويبس الخلق، فالقوة الغضبية هى قوة النصر، والقوة الشهوية قوة الرزق، وهما المذكوران فى قوله :﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾ [ قريش : ٤ ]، والرزق والنصر مقترنان فى الكتاب والسنة، وكلام الناس كثيراً.


الصفحة التالية
Icon