جنس القوة الشهوية الحب، وجنس القوة الغضبية البغض، والغضب والبغض متفقان فى الاشتقاق الأكبر؛ ولهذا قال النبى ﷺ :( أوثق عرى الإيمان الحب فى اللّه، والبغض فى اللّه ). فإن هاتين القوتين هما الأصل، وقال :( من أحب للّه وأبغض للّه / وأعطى للّه ومنع للّه فقد استكمل الإيمان )، فالحب والبغض هما الأصل، والعطاء عن الحب وهو السخاء، والمنع عن البغض وهو الشحاحة. فأما الغضب فقد يقال : هو خصوص فى البغض، وهو الشدة التي تقوم فى النفس التي يقترن بها غليان دم القلب لطلب الانتقام، وهذا هو الغضب الخاص؛ ولهذا تعدل طائفة من المتكلمين عن مقابلة الشهوة بالغضب إلى مقابلتها بالنفرة، ومن قابل الشهوة بالغضب فيجب ألا يريد الغضب الخاص، فإن نسبة هذا إلى النفرة نسبة الطمع إلى الشهوة، فأما الغضب العام فهو القوة الدافعة البغضية المقابلة للقوة الجاذبة الحبية.
فَصل
فعل المأمور به صادر عن القوة الإرادية الحبية الشهوية، وترك المنهى عنه صادر عن القوة الكراهية البغضية الغضبية النفرية، والأمر بالمعروف صادر عن المحبة والإرادة، والنهى عن المنكر صادر عن البغض والكراهة، وكذلك الترغيب فى المعروف والترهيب عن المنكر، والحض على هذا والزجر عن هذا؛ولهذا لا تكف النفوس عن الظلم إلا بالقوة الغضبية الدفعية، وبذلك يقوم العدل والقسط فى الحكم والقسم /وغير ذلك، كما أن الإحسان يقوم بالقوة الجذبىة الشهوىة، فإن اندفاع المكروه بدون حصول المحبوب عدم، إذ لا محبوب ولا مكروه، وحصول المحبوب والمكروه وجود فاسد، إذ قد حصلا معا وهما متقابلان فى الترجيح، فربما يختار بعض النفوس هذا ويختار بعضها هذا، وهذا عند التكافؤ، وأما المكروه اليسير مع المحبوب الكثير فيترجح فيه الوجود، كما أن المكروه الكثير مع المحبوب اليسير يترجح فيه العدم.