بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده.سُورَة الزُّمَر
قَال شَيْخ الإسْلام أحْمَد بن تيمية ـ قدَّسَ الله رُوحه :
فَصْل
قد قال تعالى :﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [ الزمر : ١٨ ]، والمراد بالقول : القرآن، كما فسره بذلك سلف الأمة وأئمتها، كما قال تعالى :﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [ المؤمنون : ٦٨ ]، واللام لتعريف القول المعهود؛ فإن السورة كلها إنما تضمنت مدح القرآن واستماعه، وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع، وبينَّا فساد قول من استدل بهذه على سماع الغناء وغيره، وجعلها عامة. وبينا أن تعميمها في كل قول باطل بإجماع المسلمين.
وهنا سؤال مشهور، وهو أنه قال :﴿ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [ الزمر : ١٨ ]، فقد قسم القول إلى حسن وأحسن، والقرآن كله متبع، وهذا حجتهم.
فيقال : الجواب من ثلاثة أوجه : إلزام، وحل :
الأول : أن هذا مثل قوله :﴿ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم ﴾ [ الزمر : ٥٥ ]، ومثل قوله :﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، فقد أمر المؤمنين باتباع أحسن ما أنزل إليهم من ربهم، وأمر بنى إسرائيل أن يأخذوا بأحسن التوراة، وهذا أبلغ من تلك الآية؛ فإن تلك إنما فيها مدح باتباع الأحسن، ولا ريب أن القرآن فيه الخبر والأمر بالحسن والأحسن، واتباع القول إنما هو العمل بمقتضاه، ومقتضاه فيه حسن وأحسن، ليس كله أحسن، وإن كان القرآن في نفسه أحسن الحديث؛ فَفَرْقٌ بين حُسْن الكلام بالنسبة إلى غيره من الكلام، وبين حُسْنه بالنسبة إلى مقتضاه المأمور والمخبر عنه.