وفي صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، عن النبي ﷺ أنه قال :( المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ـ وكلتا يديه يمين ـ الذين يعدلون في حكمهم، وأهلهم، وما ولوا ). وقد جاء ذكر اليدين في عدة أحاديث، ويذكر فيها أن كلتاهما يمين مع تفضيل اليمين. قال غير واحد من العلماء : لما كانت صفات المخلوقين متضمنة للنقص، فكانت يسار أحدهم ناقصة في القوة ناقصة في الفعل، /بحيث تفعل بمياسرها كل ما يذم ـ كما يباشر بيده اليسرى النجاسات والأقذار ـ بين النبي ﷺ أن كلتا يمين الرب مباركة ليس فيها نقص ولا عيب بوجه من الوجوه كما في صفات المخلوقين، مع أن اليمين أفضلهما كما في حديث آدم قال :( اخترت يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين مباركة ). فإنه لا نقص في صفاته ولا ذم في أفعاله، بل أفعاله كلها إما فضل وإما عدل. وفي الصحيحين عن أبي موسى، عن النبي ﷺ قال :( يمين الله ملأي لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه، والقسط بيده الأخرى يرفع ويخفض ).
فبين ﷺ أن الفضل بيده اليمنى والعدل بيده الأخرى، ومعلوم أنه مع أن كلتا يديه يمين فالفضل أعلى من العدل، وهو سبحانه كل رحمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، ورحمته أفضل من نقمته؛ ولهذا كان المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن، ولم يكونوا عن يده الأخرى، وجعلهم عن يمين الرحمن تفضيل لهم، كما فضل في القرآن أهل اليمين وأهل الميمنة على أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة وإن كانوا إنما عذبهم بعدله، وكذلك الأحاديث والآثار جاءت بأن أهل قبضة اليمين هم أهل السعادة، وأهل القبضة الأخرى هم أهل الشقاوة.