ولهذا كان كل ما وصف به الرب نفسه من صفاته، فهي صفات مختصة به يمتنع أن يكون له فيها مشارك أو مماثل، فإن ذاته المقدسة لا تماثل شيئًا من الذوات، وصفاته مختصة به، فلا تماثل شيئًا من الصفات، بل هو سبحانه أحد صمد، لميلد ولميولد، ولميكن له كفوًا أحد، فاسمه [ الأحد ] دل على نفي المشاركة والمماثلة، واسمه [ الصمد ] دل على أنه مستحق لجميع صفات الكمال، كما بسط الكلام على ذلك في الشرح الكبير المصنف في تفسير هذه السورة. وصفات التنزيه كلها ـ بل وصفات الإثبات ـ يجمعها هذان المعنيان. وقد بسط الكلام في التوحيد وأنه نوعان : علمي قولي، وعملي قصدي. فـ ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [ سورة الكافرون ] اشتملت على التوحيد العملي نصًا، وهي دالة على العلمي /لزومًا، و ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، اشتملت على التوحيد العلمي القولي نصًا، وهي دالة على التوحيد العملي لزومًا؛ ولهذا كان النبي ﷺ يقرأ بهما في ركعتي الفجر وركعتي الطواف وغير ذلك، وقد ثبت أنه كان يقرأ أيضًا في ركعتي الفجر بآية الإيمان التي في البقرة :﴿ قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ ﴾ [ البقرة : ١٣٦ ] في الركعة الأولى، وآية الإسلام التي في آل عمران :﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شيئا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [ آل عمران : ٦٤ ].
والمقصود هنا أن صفات التنزيه يجمعها هذان المعنيان المذكوران في هذه السورة :
أحدهما : نفي النقائص عنه، وذلك من لوازم إثبات صفات الكمال، فمن ثبت له الكمال التام انتفى النقصان المضاد له، والكمال من مدلول اسمه الصمد.