وكذلك في موضع آخر لما قال :﴿ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [ الذاريات ٣٥ : ٣٧ ]، وقال في سفينة نوح :﴿ وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ [ القمر : ١٥ ]، فأخبر أنه أبقى آيات، وهي العلامات والدلالات، فدل ذلك على أن مايخصه من أخبار المؤمنين وحسن عاقبتهم في الدنيا، وأخبار الكفار وسوء عاقبتهم في الدنيا، هو من باب الآيات والدلالات التي يستدل بها ويعتبر بها علمًا ووعظًا، فيفيد معرفة صحة ما أخبرت به الرسل، ويفيد الترغيب والترهيب، ويدل ذلك على أن اللّه يرضي عن أهل طاعته ويكرمهم، ويغضب على أهل معصيته ويعاقبهم، كما يستدل بمخلوقاته العامة على قدرته، فإن الفعل يستلزم قدرة الفاعل، ويستدل بأحكام الأفعال على علمه؛ لأن الفعل المحكم يستلزم علم الفاعل، وبالتخصيص على مشيئته؛ لأن التخصيص مستلزم لإرادته، فكذلك يستدل بالتخصيص بما هو أحمد عاقبة على حكمته؛ لأن تخصيص الفعل بما هو محمود في العاقبة مستلزم للحكمة، ويستدل بتخصيص الأنبياء وأتباعهم بالنصر وحسن العاقبة وتخصيص مكذبيهم بالخزي وسوء العاقبة على أنه يأمر ويحب ويرضى ما جاءت به الأنبياء، ويكره ويسخط ما كان عليه مكذبوهم؛ لأن تخصيص أحد النوعين بالإكرام والنجاة والذكر الحسن والدعاء، وتخصيص الآخر بالعذاب والهلاك وقبح الذكر واللعنة، يستلزم محبة ما فعله الصنف الأول، وبغض ما فعله الصنف الثاني.


الصفحة التالية
Icon