ثم الإلهيات ـ أيضًا ـ هي مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فبين الدلائل العقلية على ما يمكن أن يعرف بالعقل، وأخبر عن الغيب المطلق الذي تعجز العقول عن معرفته، فلا معنى لجعل القصص داخلة في النبوة دون الإلهيات، فإنه إن عني أن القصص تدل على نبوته، فهي تدل من جهة إخباره بها كإخباره بغيرها من الغيب، وفيما أخبر به من الإلهيات والأمور المستقبلات ما هو كالقصص في ذلك وأبلغ. وإن عني أن تعذيب المكذبين يدل على النبوة، فهي تدل على جنس النبوة، وعلى/نبوة من عذب قومه، لا تدل على نبوة المتأخر، إلا أن يكون ما أخبر به من جنس ما أخبر به الأول. وهذه الأمور كلها موجودة في الإلهيات وزيادة، فإنه قد أخبر فيها بمثل ما أخبرت به الأنبياء قبله، قد ذكر اللّه ذلك في غير موضع كقوله :﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُون ﴾ [ الزخرف : ٤٥ ]، وقوله :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [ الأنبياء : ٢٥ ]، وقوله :﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ﴾ [ النحل : ٣٦ ].
وقد أخبر اللّه عن الأنبياء الذين قص أخبارهم ـ كنوح وهود وصالح وشعيب ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ أن كلا منهم يقول لقومه :﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [ الأعراف : ٥٩ ]، بل يفتتح دعوته بذلك، وذكر ـ تعالى ـ عن الأنبياء وأممهم من نوح إلى الحواريين أنهم كانوا مسلمين، كما قد بسط في غير موضع.