فيقال لهم : هذا حق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الحسنات فيها كبار وصغار، والنبي ﷺ مقصوده أن الله يعطي العبد بكل حسنة عشر أمثالها، كما قال تعالى :﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [ الأنعام : ١٦٠ ]، فإذا قرأ حرفًا، كان ذلك حسنة، فيعطيه بقدر تلك الحسنة عشر مرات، لكن لم يقل : إن الحسنات في الحروف متماثلة. كما أن من تصدق بدينار يعطي بتلك الحسنة عشر أمثالها. والواحد من بعد السابقين الأولين لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذا أنفق مدًا كان له بهذه الحسنة عشر أمثالها، ولكن/ لا تكون تلك الحسنة بقدر حسنة من أنفق مدًا من الصحابة السابقين. ونظائر هذا كثيرة. فكذلك حروف القرآن تتفاضل لتفاضل المعاني وغير ذلك. فحروف الفاتحة له بكل حرف منها حسنة أعظم من حسنات حروف من ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾، وإذا كان الشيء يعدل غيره، فعدل الشيء ـ بالفتح ـ هو مساويه، وإن كان من غير جنسه، كما قال تعالى :﴿ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ﴾ [ المائدة : ٩٥ ]، والصيام ليس من جنس الطعام والجزاء ولكنه يعادله في القدر. وكذلك قوله ﷺ :( لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا )، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ ﴾ [ البقرة : ١٢٣ ]، أي : فدية. والفدية ما يعدل بالمفدي وإن كان من غير جنسه ﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ﴾ [ الأنعام : ١ ] أي : يجعلون له عدلًا، أي : ندًا في الإلهية، وإن كانوا يعلمون أنه ليس من جنس الرب سبحانه.


الصفحة التالية
Icon