وأما أثر ذلك وهو ما يحصل للعبد من النعمة واندفاع النقمة، فذاك مخلوق منفصل عنه ليس صفة له، وقد يسمى هذا باسم ذاك كما في الحديث الصحيح :( يقول الله للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ). فالرحمة هنا عين قائمة بنفسها لا يمكن أن تكون صفة لغيرها، فهذا هو الفارق بين ما يضاف إضافة وصف وإضافة ملك. وإذا قيل : المسيح كلمة الله، فمعناه : أنه مخلوق بالكلمة؛ إذ المسيح نفسه ليس كلامًا. وهذا بخلاف القرآن فإنه نفسه كلام، والكلام لا يقوم بنفسه إلا بالمتكلم، فإضافته إلى المتكلم إضافة صفة إلى موصوفها وإن كان يتكلم بقدرته ومشيئته، وإن سمى فعلًا بهذا الاعتبار، فهو صفة باعتبار قيامه بالمتكلم.
وإذا كان كذلك، فمن قال : إن الكلام معنى واحد قائم بذات المتكلم، لم يمكنه أن يجيب عن هذه المسألة بجواب صحيح، فإذا قيل /له : كلام الله هل بعضه أفضل من بعض ؟ امتنع الجواب على أصله بنعم أو لا؛ لامتناع تبعضه عنده، ولكون العبارة ليست كلامًا لله، لكن إذا أريد بالكلام العبارة، أو قيل له : هل بعض القرآن أفضل من بعض ـ وأريد بالقرآن : الكلام العربي الذي نزل به جبريل ـ فهو عنده مخلوق لم يتكلم الله به، بل هو عنده إنشاء جبريل أو غيره، أو قيل : هل بعض كتب الله أفضل من بعض ـ وكتاب الله عنده هو القرآن العربي المخلوق عنده ـ فهذا السؤال يتوجه على قوله في الظاهر، وأما في نفس الأمر فكلاهما ممتنع على قوله؛ لأن العبارة تدل على المعاني، فإن المعاني القائمة في النفس تدل عليها العبارات، وقد علم أن العبارات تدل على معان متنوعة، وعلى أصله ليس المعنى إلا واحدًا، فيمتنع بالضرورة العقلية أن يكون القرآن العربي كله والتوراة والإنجيل وسائر ما يضاف إلى الله من العبارات، إنما يدل على معنى واحد لا يتعدد ولا يتبعض، وحينئذ فتبعض العبارات الدالة على المعاني بدون تبعض تلك المعاني ممتنع.


الصفحة التالية
Icon