قال أبو الفرج ابن الجوزي في قوله :﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ﴾، قال المفسرون : معنى الآية : أن النصارى قالوا بأن الإلهية مشتركة بين الله وعيسى ومريم، كل واحد منهم إله. وذكر عن الزجاج : الغلو : مجاوزة القدر في الظلم، وغلو النصارى في عيسى قول بعضهم : هو الله، وقول بعضهم : هو ابن الله، وقول بعضهم : هو ثالث /ثلاثة، فعلماء النصارى الذين فسروا قولهم : هو ابن الله بما ذكروه من أن الكلمة هي الابن، والفرق الثلاث متفقة على ذلك، وفساد قولهم معلوم بصريح العقل من وجوه :
أحدها : أنه ليس في شيء من كلام الأنبياء تسمية صفة الله ابنا ـ لا كلامه ولا غيره ـ فتسميتهم صفة الله ابنا تحريف لكلام الأنبياء عن مواضعه، وما نقلوه عن المسيح من قوله : عمدوا الناس باسم الأب والابن وروح القدس، لم يُرَد بالابن : صفة الله التي هي كلمته، ولا بروح القدس : حياته، فإنه لا يوجد في كلام الأنبياء إرادة هذا المعنى، كما قد بسط هذا في الرد على النصارى.
الوجه الثاني : أن هذه الكلمة ـ التي هي الابن ـ أهي صفة الله قائمة به ؟ أم هي جوهر قائم بنفسه ؟ فإن كانت صفته؛ بطل مذهبهم من وجوه :
أحدها : أن الصفة لا تكون إلهًا يخلق ويرزق ويحيي ويميت، والمسيح عندهم إله يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، فإذا كان الذي تدرعه ليس بإله؛ فهو أولى ألا يكون إلهًا.
الثاني : أن الصفة لا تقوم بغير الموصوف فلا تفارقه، وإن قالوا : نزل عليه كلام الله أو قالوا : إنه الكلمة أو غير ذلك، فهذا قدر مشترك بينه وبين سائر الأنبياء.


الصفحة التالية
Icon