وقوله تعالى :﴿ وَرُوحٌ مِّنْهُ ﴾ [ النساء : ١٧١ ]، ليس فيه أن بعض الله صار في عيسي، بل من لابتداء الغاية، كما قال :﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾ [ الجاثية : ١٣ ]، وقال :﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ﴾ [ النحل : ٥٣ ]، وما أضيف إلى الله أو قيل هو منه فعلى وجهين : إن كان عينًا قائمة بنفسها؛ فهو مملوك له، ومن لابتداء الغاية، كما قال تعالى :﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾ [ مريم : ١٧ ]، وقال في المسيح :﴿ وَرُوحٌ مِّنْهُ ﴾. وما كان صفة لا يقوم بنفسه كالعلم والكلام فهو صفة له، كما يقال : كلام الله، وعلم الله، وكما قال تعالى :﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ [ النحل : ١٠٢ ]، وقال :﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ [ الأنعام : ١١٤ ].
وألفاظ المصادر يعبر بها عن المفعول، فيسمي المأمور به أمرًا، والمقدور قدرة، والمرحوم به رحمة، والمخلوق بالكلمة كلمة، فإذا قيل في المسيح : إنه كلمة الله، فالمراد به أنه خُلِقَ بكلمة قوله :[ كن ]، ولم يخلق على الوجه المعتاد من البشر، وإلا فعيسى بشر قائم بنفسه ليس هو كلاما صفة للمتكلم يقوم به، وكذلك إذا قيل عن المخلوق : إنه أمر الله، فالمراد أن الله كونه بأمره، كقوله :﴿ أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ [ النحل : ١ ]، وقوله :﴿ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ﴾ [ هود : ٨٢ ]، فالرب ـ تعالى ـ أحد صمد، لا يجوز أن يتبعض ويتجزأ، فيصير، بعضه في غيره، سواء سمي ذلك روحًا أو غيره، فبطل ما يتوهمه النصارى من كونه ابنًا له، وتبين أنه عبد من عباد الله.