فهذا الجسم في لغة العرب، وعلى هذا فلا يقال للهواء : جسم، ولا للنَّفَسِ الخارج من الإنسان : جسم، ولا لروحه المنفوخة فيه : جسم. ومعلوم أن اللّه ـ سبحانه ـ لا يماثل شيئًا من ذلك، لا بدن الإنسان ولا غيره، فلا يوصف اللّه ـ تعالى ـ بشيء من خصائص المخلوقين، ولا يطلق عليه من الأسماء ما يختص بصفات المخلوقين، فلا يجوز أن يقال : هو جسم، ولا جسد.
وأما أهل الكلام، فالجسم عندهم أعم من هذا، وهم مختلفون في معناه اختلافا كثيرًا عقليًا، واختلافًا لفظيًا اصطلاحيًا. فهم يقولون : كل ما يشار إليه إشارة حسية فهو جسم، ثم اختلفوا بعد هذا، فقال كثير منهم : كل ما كان كذلك فهو مركب من الجواهر الفردة، ثم منهم من قال : الجسم أقل ما يكون جوهرًا، بشرط أن ينضم إلى غيره. وقيل : بل الجوهران، والجواهر فصاعدًا. وقيل : بل أربعة فصاعدًا. وقيل : بل ستة. وقيل : بل ثمانية. وقيل : بل ستة عشر. وقيل : بل اثنان وثلاثون، وهذا قول من يقول : إن الأجسام كلها مركبة من الجواهر التي لا تنقسم.
وقال آخرون من أهل الفلسفة : كل الأجسام مركبة من الهيولى/والصورة، لا من الجواهر الفردة.
وقال كثير من أهل الكلام وغير أهل الكلام : ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا، ولا من هذا ولا من هذا، وهذا قول الهشامية والكُلابية والضرارية وغيرهم من الطوائف الكبار، لا يقولون بالجوهر الفرد ولا بالمادة والصورة، وآخرون يدعون إجماع المسلمين على إثبات الجوهر الفرد، كما قال أبو المعالى وغيره : اتفق المسلمون على أن الأجسام تتناهى في تجزئها وانقسامها حتى تصير أفرادًا، ومع هذا، فقد شك هو فيه، وكذلك شك فيه أبو الحسين البصري. وأبو عبد اللّه الرازي.