ونكتة الأمر : أن الجسم في اعتقاد هذا النافي يستلزم مماثلة سائر الأجسام، ويستلزم أن يكون مركبًا من الجواهر الفردة، أو من المادة والصورة، وأكثر العقلاء يخالفونه في هذا التلازم، وهذا التلازم منتف باتفاق الفريقين، وهو المطلوب.
فإذا اتفقوا على انتفاء النقص المنفي عن اللّه شرعًا وعقلًا؛ بقي بحثهم في الجسم الاصطلاحى : هل هو مستلزم لهذا المحذور ؟ وهو بحث عقلى، كبحث الناس في الأعراض : هل تبقي أو لا تبقي ؟ وهذا البحث العقلى لم يرتبط به دين المسلمين، بل لم ينطق كتاب ولا سنة ولا أثر من السلف بلفظ الجسم في حق اللّه ـ تعالى ـ لا نفيًا ولا إثباتًا، فليس لأحد أن يبتدع اسمًا مجملًا يحتمل معاني مختلفة، لم ينطق به الشرع ويعلق به دين المسلمين، ولو كان قد نطق باللغة العربية، فكيف إذا /أحدث للفظ معنى آخر ؟ !
والمعنى الذي يقصده إذا كان حقًا عبر عنه بالعبارة التي لا لبس فيها، فإذا كان معتقده أن الأجسام متماثلة، وأن اللّه ليس كمثله شيء، وهو ـ سبحانه ـ لا سمى له، ولا كُفْو له، ولا ند له، فهذه عبارات القرآن تؤدى هذا المعنى بلا تلبيس ولا نزاع، وإن كان معتقده أن الأجسام غير متماثلة، وأن كل ما يرى وتقوم به الصفات فهو جسم، فإن عليه أن يثبت ما أثبته اللّه ورسوله من علمه وقدرته وسائر صفاته، كقوله :﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، وقوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمتينُ ﴾ [ الذاريات : ٥٨ ]، وقوله ـ عليه السلام ـ في حديث الاستخارة :( اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك ). وقوله في الحديث الآخر :( اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق ). ويقول كما قال رسول اللّه ﷺ :( إنكم ترون ربكم يوم القيامة عيانًا كما ترون الشمس والقمر لا تضامون في رؤيته ) فشبه الرؤية بالرؤية، وإن لم يكن المرئيُّ كالمرئيِّ.
فهذه عبارات الكتاب والسنة عن هذا المعنى الصحيح بلا تلبيس ولا نزاع بين أهل السنة ـ المتبعين للكتاب والسنة وأقوال الصحابة ـ ثم بعد هذا من كان قد تبين له معنى من جهة العقل أنه لازم للحق لم يدفعه عن عقله، فلازم الحق حق، لكن ذلك المعنى لابد أن يدل /الشرع عليه فيبينه بالألفاظ الشرعية، وإن قُدِّرَ أن الشرع لم يدل عليه لم يكن مما يجب على الناس اعتقاده، وحينئذ فليس لأحد أن يدعو الناس إليه، وإن قدر أنه في نفسه حق.


الصفحة التالية
Icon