قالوا : وهذه تخليطة في اللفظ، وإن كنا لا نكفره، إذا لم يثبت خصائص الجسم من التركيب والتأليف، وقد نازعهم بعضهم في قولهم : هذا أجسم من هذا، وقالوا : ليس هذا اللفظ من لغة العرب، كما يحكى عن أبي زيد، فيقال له : لا ريب أن العرب تقول : هذا جسيم، أي : عظيم الجثة، وهذا أجسم من هذا، أي : أعظم جثة، لكن كون العرب تعتقد أن ذلك لكثرة الأجزاء التي هي الجواهر الفردة، إنما يكون إذا كان أهل اللغة قاطبة يعتقدون أن الجسم مركب من الجواهر الفردة، والجوهر الفرد هو شيء قد بلغ من الصغر والحقارة إلى أنه لا يتميز يمينه من يساره. ومعلوم أن أكثر العقلاء من بني آدم لا يتصور الجوهر الفرد، والذين يتصورونه أكثرهم لا يثبتونه، والذين أثبتوه إنما يثبتونه بطرق خفية طويلة بعيدة، فيمتنع أن يكون اللفظ الشائع في اللغة التي ينطق بها خواصها وعوامها أرادوا به هذا.
وقد علم بالاضطرار أن أحدًا من الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم/ ينطق بإثبات الجوهر الفرد، ولا بما يدل على ثبوته عنده، بل ولا العرب قبلهم، ولا سائر الأمم الباقين على الفطرة، ولا أتباع الرسل، فكيف يدعى عليهم أنهم لم يقولوا : لفظ جسم إلا لما كان مركبًا مؤلفًا ؟ ! ولو قلت لمن شئت من العرب : الشمس والقمر والسماء مركب عندك من أجزاء صغار كل منها لا يقبل التجزيء، أو الجبال أو الهواء أو الحيوان أو النبات لم يتصور هذا المعنى إلا بعد كلفة، ثم إذا تصوره قد يكذبه بفطرته، ويقول : كيف يمكن أن يكون شيء لا يتميز منه جانب عن جانب ؟ ! وأكثر العقلاء من طوائف المسلمين وغيرهم ينكرون الجوهر الفرد، فالفقهاء قاطبة تنكره، وكذلك أهل الحديث والتصوف.