ولهذا كان الفقهاء متفقين على استحالة بعض الأجسام إلى بعض، كاستحالة العَذِرَةِ رمادًا، والخنزير ملحًا، ثم تكلموا في هذه الاستحالة هل تطهر أم لا تطهر ؟ والقائلون بالجوهر الفرد لا تستحيل الذوات عندهم، بل تلك الجواهر التي كانت في الأول هي بعينها في الثاني، وإنما اختلف التركيب؛ ولهذا يتكلم بلفظ التركيب في الماء ونحوه من الفقهاء المتأخرين من كان قد أخذ هذا التركيب عن المتكلمين، ويقول : إن الماء يفارق غيره في التركيب فقط. وكذلك القائلون بالجوهر الفرد عندهم : إنا لم نشاهد قط إحداث الله ـ تعالى ـ لشيء من الجواهر والأعيان القائمة بنفسها، وإن جميع ما يخلقه من الحيوان والنبات والمعدن والثمار والمطر/ والسحاب وغير ذلك إنما هو جمع الجواهر وتفريقها، وتغيير صفاتها من حال إلى حال، لا أنه يبدع شيئًا من الجواهر والأجسام القائمة بأنفسها، وهذا القول أكثر العقلاء ينكره، ويقول : هو مخالف للحس والعقل والشرع، فضلًا عن أن يكون الجسم في لغة العرب مستلزمًا لهذا المعنى.
ثم الجسم قد يراد به الغلظ نفسه، وهو عرض قائم بغيره، وقد يراد به الشيء الغليظ، وهو القائم بنفسه. فنقول : هذا الثوب له جسم، أى : غلظ، وقوله :﴿ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ﴾ [ البقرة : ٢٤٧ ] قد يحتج به على هذا، فإنه قرن الجسم بالعلم الذي هو مصدر. فنقول : المعنى :﴿ وَزَادَهُ بَسْطَةً ﴾ في قدره، فجعل قدر بدنه أكبر من بدن غيره، فيكون الجسم هو القدر نفسه لا نفس المقدر.