فإنه إذا انتصب بهذا المعنى، امتنع المعنى الآخر.
ومن رجح الأول من النحاة ـ كالزجاج وغيره ـ قالوا : القصص مصدر، يقال : قص أثره يقصه قَصَصًا، ومنه قوله تعالى :﴿ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾ [ الكهف : ٦٤ ]. وكذلك اقتص أثره وتقصص، وقد اقتصصت الحديث : رويته على وجهه، وقد اقتص عليه الخبر قصصًا. وليس القَصَصُ ـ بالفتح ـ جمع قصة كما يظنه بعض العامة، فإن ذلك يقال في قِصَصٍ ـ بالكسر ـ واحده قصة، والقصة : هي الأمر والحديث الذي يقص، فعلة بمعنى مفعول، وجمعه قِصَصٍ بالكسر. وقوله :﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عليكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ [ يوسف : ٣ ] بالفتح لم يقل : أحسن القِصَصُ بالكسر، ولكن/بعض الناس ظنوا أن المراد : أحسن القِصَص بالكسر، وأن تلك القصة قصة يوسف، وذكر هذا طائفة من المفسرين.
ثم ذكروا : لم سميت أحسن القصص ؟ فقيل : لأنه ليس في القرآن قصة تتضمن من العبر والحكم والنكت ما تتضمن هذه القصة. وقيل : لامتداد الأوقات بين مبتداها ومنتهاها. وقيل : لحسن محاورة يوسف وإخوته، وصبره على أذاهم، وإِغْضَائِهِ عن ذكر ما تعاطوه عند اللقاء، وكرمه في العفو. وقيل : لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والملائكة والشياطين، والإنس والجن، والأنعام والطير، وسير الملوك والمماليك، والتجار، والعلماء والجهال، والرجال والنساء ومكرهن وحيلهن، وفيها أيضًا ذكر التوحيد والفقه والسير، وتعبير الرؤيا والسياسة، والمعاشرة وتدبير المعاش، فصارت أحسن القصص؛ لما فيها من المعاني والفوائد التي تصلح للدين والدنيا. وقيل فيها : ذكر الحبيب والمحبوب. وقيل :[ أحسن ] بمعنى : أعجب.


الصفحة التالية
Icon