وكذلك نزاعهم في روح الإنسان التي تفارقه بالموت على قول الجمهور الذين يقولون : هي عين قائمة بنفسها، ليست عَرَضًا من أعراض البدن ـ كالحياة وغيرها ـ ولا جزءًا من أجزاء البدن ـ كالهواء الخارج منه ـ فإن كثيرًا من المتكلمين زعموا أنها عرض قائم بالبدن، أو جزء من أجزاء البدن، لكن هذا مخالف للكتاب والسنة، وإجماع السلف والخلف، ولقول جماهير العقلاء من جميع الأمم، ومخالف للأدلة العقلية.
وهذا مما استطال به الفلاسفة على كثير من أهل الكلام. قال القاضي أبو بكر : أكثر المتكلمين على أن الروح عرض من الأعراض، /وبهذا نقول إذا لم ىَعْنِ بالروح النفس، فإنه قال : الروح الكائن في الجسد ضربان :
أحدهما : الحياة القائمة به، والآخر : النفس، والنفس ريح ينبث به، والمراد بالنفس : ما يخرج بنفس التنفس من أجزاء الهواء المتحلل من المسام، وهذا قول الإسفرائيني وغيره. وقال ابن فَوْرَك : هو ما يجري في تجاويف الأعضاء، وأبو المعالي خالف هؤلاء وأحسن في مخالفتهم فقال : إن الروح أجسام لطيفة مشابكة للأجسام المحسوسة، أجرى الله العادة بحياة الأجساد ما استمرت مشابكتها لها، فإذا فارقتها تعقب الموت الحياة في استمرار العادة.
ومذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر سلف الأمة وأئمة السنة : أن الروح عين قائمة بنفسها، تفارق البدن، وتنعم وتعذب، ليست هي البدن، ولا جزءًا من أجزائه، كالنفس المذكور. ولما كان الإمام أحمد ممن نص على ذلك ـ كما نص عليه غيره من الأئمة ـ لم يختلف أصحابه في ذلك؛ لكن طائفة منهم ـ كالقاضي أبي يعلى ـ زعموا أنها جسم، وأنها الهواء المتردد في مخاريق البدن؛ موافقة لأحد المعنيين اللذين ذكرهما ابن الباقلاني. وهذه الأقوال لما كانت من أضعف الأقوال؛ تسلط بها عليهم خلق كثير.


الصفحة التالية
Icon