ثم هم مختلفون بعد هذا في المتحيز : هل هو مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة ؟ أو هو غير مركب لا من هذا ولا من هذا ؟ كما تقدم نزاعهم في الجسم، فالجسم عندهم متحيز، ولا يخرج عنه شيء إلا الجوهر الفرد عند من أثبته، وهؤلاء يعتقد كثير منهم ـ أو أكثرهم ـ أن كل متحيز فهو مركب، أى : يقبل الانقسام إلى جزء لا يتجرأ، بل يظن بعضهم أن هذا إجماع المسلمين، وأكثرهم يقولون : المتحيزات متماثلة في الحد والحقيقة. ومن كان معنى المتحيز عنده هذا، فعليه أن ينزه الله - تعالى - أن يكون متحيزًا بهذا الاعتبار، وإذا قال : الملائكة متحيزون بهذا الاعتبار، أو الروح متحيزة بهذا الاعتبار نازعه في ذلك جمهور العقلاء من المسلمين وغيرهم، بل لا يعرف أحد من سلف الأمة وأئمتها يقول : إن الملائكة متحيزة بهذا الاعتبار، ولا قالوا لفظًا يدل على هذا المعنى، وكذلك روح بني آدم التي تفارقه بالموت لم يقل أحد من السلف : إنها متحيزة بهذا الاعتبار، ولا قال فيها لفظًا يدل على هذا المعنى، فإذا كان إثبات هذا التحيز للملائكة والروح بدعة في الشرع وباطلًا في العقل، فلأن يكون ذلك بدعة وباطلًا في رب /العالمين بطريق الأولى والأحرى.
ومن هنا يتبين أن عامة ما يقوله المتفلسفة وهؤلاء المتكلمة في نفوس بني آدم وفي الملائكة باطل، فكيف بما يقولونه في رب العالمين ؟ ! ولهذا توجد الكتب المصنفة التي يذكر فيها مقالات هؤلاء وهؤلاء في هذه المسائل الكبار في رب العالمين، وفي ملائكته، وفي أرواح بني آدم، وفي المعاد، وفي النبوات ليس فيها قول يطابق العقل والشرع، ولا يعرفون ما قاله السلف والأئمة في هذا الباب، ولا ما دل عليه الكتاب والسنة.


الصفحة التالية
Icon