أحدهما : معرفة ما أراد الله ورسوله ﷺ بألفاظ الكتاب والسنة، بأن يعرفوا لغة القرآن التي بها نزل، وما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وسائر علماء المسلمين في معانى تلك الألفاظ، فإن الرسول لما خاطبهم بالكتاب والسنة عَرَّفهم ما أراد بتلك الألفاظ. وكانت معرفة الصحابة لمعانى القرآن أكمل من حفظهم لحروفه، وقد بَلَّغوا تلك المعانى إلى التابعين أعظم مما بلغوا حروفه. فإن المعانى العامة التي يحتاج إليها عموم المسلمين، مثل معنى التوحيد، ومعنى الواحد، والأحد، والإيمان، والإسلام ـ ونحو ذلك ـ كان جميع الصحابة يعرفون ما أحب الله ورسوله ﷺ من معرفته ولا يحفظ القرآن كله إلا القليل منهم، وإن كان كل شيء من القرآن يحفظه منهم أهل التواتر، والقرآن مملوء من ذكر وصف الله بأنه أحد، وواحد، ومن ذكر أن إلهكم واحد، ومن ذكر أنه لا إله إلا الله، ونحو ذلك.
فلابد أن يكون الصحابة يعرفون ذلك، فإن معرفته أصل الدين وهو أول ما دعا الرسول ﷺ إليه الخلق، وهو أول/ ما يقاتلهم عليه، وهو أول ما أمر رسله أن يأمروا الناس به، وقد تواتر عنه أنه أول ما دعا الخلق إلى أن يقولوا : لا إله إلا الله، ولما أمر بالجهاد بعد الهجرة قال :( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ). وفي الصحيحين : أنه لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له :( إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه : شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأعلمهم أن الله ـ تعالى ـ قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فأعلمهم أن الله ـ تعالى ـ افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ).


الصفحة التالية
Icon