وذهب قوم يميلون إلى الفقه إلى اختلافهما، فقالوا : التفسير : إخراج الشيء عن مقام الخفاء إلى مقام التجلي. والتأويل : نقل الكلام عن وضعه إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، فهو مأخوذ من قولك : آل الشيء إلى كذا، أي : صار إليه، فهؤلاء لا يذكرون للتأويل إلا المعنى الأول والثاني، وأما التأويل في لغة القرآن فلا يذكرونه، وقد عرف أن التأويل في القرآن : هو الموجود الذي يؤول إليه الكلام، وإن كان ذلك موافقًا للمعنى الذي يظهر من اللفظ، بل لا يعرف في القرآن لفظ التأويل مخالفًا لما يدل عليه اللفظ، خلاف اصطلاح المتأخرين.
والكلام نوعان : إنشاء، وإخبار.
فالإنشاء : الأمر والنهي والإباحة وتأويل الأمر، والنهي : نفس فعل المأمور، ونفس ترك المحظور، كما في الصحيح عن عائشة -رضى الله عنها- أنها قالت : كان رسول الله ﷺ يقول في ركوعه وسجوده :( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، /اللهم اغفر لى ) يتأول القرآن. فكان هذا الكلام تأويل قوله :﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ﴾ [ النصر : ٣ ]. قال ابن عيينة : السنة : تأويل الأمر والنهي. وقال أبو عبيد ـ لما ذكر اختلاف الفقهاء وأهل اللغة في نهي النبي ﷺ عن اشتمال الصماء قال : والفقهاء أعلم بالتأويل. يقول : هم أعلم بتأويل ما أمر الله به، وما نهي عنه ـ فيعرفون أعيان الأفعال الموجودة التي أمر بها، وأعيان الأفعال المحظورة التي نهي عنها.
وتفسير كلامه ليس هو نفس ما يوجد في الخارج؛ بل هو بيانه وشرحه وكشف معناه. فالتفسير من جنس الكلام يفسر الكلام بكلام يوضحه. وأما التأويل فهو فعل المأمور به، وترك المنهي عنه، ليس هو من جنس الكلام.


الصفحة التالية
Icon