وأما الصبر عن الشهوات والهوى الغالب لله، لا رجاء لمخلوق ولا خوفًا منه، مع كثرة الدواعي إلى فعل الفاحشة. واختياره الحبس الطويل على ذلك كما قال يوسف :﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلى مِمَّا يَدْعُونَنِي إليه ﴾ [ يوسف : ٣٣ ]، فهذا لا يوجد نظيره إلا في خيار عباد الله الصالحين، وأوليائه/المتقين، كما قال تعالى :﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ يوسف : ٢٤ ]، فهذا من عباد الله المخلصين الذين قال الله تعالى فيهم :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عليهمْ سُلْطَانٌ ﴾ [ الحجر : ٤٢ ] ؛ ولهذا لم يصدر من يوسف ـ الصديق ـ ذنب أصلاً، بل الهم الذي هَمَّ به لما تركه لله كتب له به حسنة؛ ولهذا لم يذكر عنه سبحانه توبة واستغفارًا، كما ذكر توبة الأنبياء كآدم وداود ونوح وغيرهم، وإن لم يذكر عن أولئك الأنبياء فاحشة ولله الحمد، وإنما كانت توباتهم من أمور أخر هي حسنات بالنسبة إلى غيرهم؛ ولهذا لا يعرف ليوسف نظير فيما ابتلي به من دواعي الفاحشة وتقواه وصبره في ذلك، وإنما يعرف لغيره ما هو دون ذلك، كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال :( سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل مُعَلَّق قلبه بالمسجد إذا خرج حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ).