أما القول الأول، فهو ـ والله أعلم ـ مأخوذ من قوله :﴿ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ﴾ [ الحج : ٥٢ ] فقابل بين المنسوخ وبين المحكم، وهو ـ سبحانه ـ إنما أراد نسخ ما ألقاه الشيطان، لم يرد نسخ ما أنزله، لكن هم جعلوا جنس المنسوخ متشابهًا؛ لأنه يشبه غيره في التلاوة والنظم، /وأنه كلام الله وقرآن ومعجز وغير ذلك من المعانى، مع أن معناه قد نسخ.
ومن جعل المتشابه كل ما لا يعمل به من المنسوخ، والأقسام، والأمثال؛ فلأن ذلك متشابه، ولم يؤمر الناس بتفصيله، بل يكفيهم الإيمان المجمل به، بخلاف المعمول به فإنه لابد فيه من العلم المفصل. وهذا بيان لما يلزم كل الأمة، فإنهم يلزمهم معرفة ما يعمل به تفصيلًا ليعملوا به، وما أخبروا به فليس عليهم معرفته، بل عليهم الإيمان به، وإن كان العلم به حسنًا أو فرضًا على الكفاية فليس فرضًا على الأعيان، بخلاف ما يعمل به، ففرض على كل إنسان معرفة ما يلزمه من العمل مفصلًا، وليس عليه معرفة العلميات مفصلًا.
وقد روي عن مجاهد وعكرمة : المحكم : ما فيه من الحلال والحرام، وما سوى ذلك متشابه يصدق بعضه بعضًا. فعلى هذا القول يكون المتشابه هو المذكور في قوله :﴿ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ ﴾ [ الزمر : ٢٣ ]، والحلال مخالف للحرام، وهذا على قول مجاهد : إن العلماء يعلمون تأويله، لكن تفسير المتشابه بهذا مع أن كل القرآن متشابه، وهنا خص البعض به فيستدل به على ضعف هذا القول.
وكذلك قوله :﴿ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ ﴾ [ آل عمران : ٧ ]، لو أريد بالمتشابه /تصديق بعضه بعضًا، لكان اتباع ذلك غير محذور، وليس في كونه يصدق بعضه بعضًا ما يمنع ابتغاء تأويله، وقد يحتج لهذا القول بقوله :﴿ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ فجعلها أنفسها متشابهات، وهذا يقتضي أن بعضها يشبه بعضًا ليست مشابهة لغيرها.


الصفحة التالية
Icon