وأما ثانيًا : فهذا قد قيل : إنهم قالوه في أول مَقدم النبي ﷺ إلى المدينة، وسورة آل عمران إنما نزل صدرها متأخرًا لما قدم وفد نجران بالنقل المستفيض المتواتر، وفيها فرض الحج، وإنما فرض سنة تسع أو عشر، لم يفرض في أول الهجرة باتفاق المسلمين.
وأما ثالثًا : فلأن حروف المعجم ودلالة الحرف على بقاء هذه الأمة، ليس هو من تأويل القرآن الذي استأثر الله بعلمه، بل إما أن يقال : إنه ليس مما أراده الله بكلامه، فلا يقال : إنه انفرد بعلمه، بل دعوى دلالة الحروف على ذلك باطل، وإما أن يقال : بل يدل عليه، فقد علم بعض الناس ما يدل عليه، وحينئذ فقد علم الناس ذلك، أما دعوى دلالة القرآن على ذلك، وأن أحدًا لا يعلمه فهذا هو الباطل.
وأيضًا، فإذا كانت الأمور العلمية التي أخبر الله بها في القرآن لا يعرفها الرسول، كان هذا من أعظم قدح الملاحدة فيه، وكان حجة لما يقولونه من أنه كان لا يعرف الأمور العلمية، أو أنه كان يعرفها ولم يبينها، بل هذا القول يقتضي أنه لم يكن يعلمها، فإن ما لا يعلمه إلا الله لا يعلمه النبي ولا غيره.
وبالجملة، فالدلائل الكثيرة توجب القطع ببطلان قول من يقول : إن في القرآن آيات لا يعلم معناها الرسول ولا غيره.


الصفحة التالية
Icon