وأيضًا، فالنقول متواترة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه تكلم في جميع معاني القرآن من الأمر والخبر، فله من الكلام في الأسماء والصفات والوعد والوعيد والقصص، ومن الكلام في الأمر والنهي والأحكام ما يبين أنه كان يتكلم في جميع معاني القرآن.
وأيضًا، قد قال ابن مسعود : ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم في ماذا أنزلت.
وأيضًا، فإنهم متفقون على أن آيات الأحكام يعلم تأويلها، وهي نحو خمسمائة آية، وسائر القرآن خبر عن الله وأسمائه وصفاته، أو عن اليوم الآخر والجنة والنار، أو عن القصص، وعاقبة أهل الإيمان، وعاقبة أهل الكفر، فإن كان هذا هو المتشابه الذي لا يعلم معناه إلا الله، /فجمهور القرآن لا يعرف أحد معناه، لا الرسول ولا أحد من الأمة، ومعلوم أن هذا مكابرة ظاهرة.
وأيضًا، فمعلوم أن العلم بتأويل الرؤيا أصعب من العلم بتأويل الكلام الذي يخبر به؛ فإن دلالة الرؤيا على تأويلها دلالة خفية غامضة لا يهتدي لها جمهور الناس، بخلاف دلالة لفظ الكلام على معناه، فإذا كان الله قد عَلَّم عباده تأويل الأحاديث التي يَرَوْنها في المنام، فلأن يعلمهم تأويل الكلام العربى المبين الذي ينزله على أنبيائه بطريق الأولى والأحرى، قال يعقوب ليوسف :﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾ [ يوسف : ٦ ]، وقال يوسف :﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾ [ يوسف : ١٠١ ]، وقال :﴿ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ﴾ [ يوسف : ٣٧ ].


الصفحة التالية
Icon