فيقال : قول القائل : إن أكثر السلف على هذا قول بلا علم، فإنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه قال : إن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابه. وعن ابن أبي مليكة عن عائشة أنها قالت : كان رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه وبمتشابهه ولا يعلمونه. فقد روى/ البخاري عن ابن أبي مُلَىْكَة، عن القاسم، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ الحديث المرفوع في هذا، وليس فيه هذه الزيادة، ولم يذكر أنه سمعها من القاسم، بل الثابت عن الصحابة أن المتشابه يعلمه الراسخون كما تقدم حديث معاذ بن جبل في ذلك، وكذلك نحوه عن ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وغيرهم، وما ذكر من قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب ليس لها إسناد يعرف حتى يحتج بها، والمعروف عن ابن مسعود أنه كان يقول : ما في كتاب الله آية إلا وأنا أعلم في ماذا أنزلت، وماذا عنى بها. وقال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن ـ عثمان ابن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما ـ أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل. وهذا أمر مشهور رواه الناس عن عامة أهل الحديث والتفسير، وله إسناد معروف، بخلاف ما ذكر من قراءتهما. وكذلك ابن عباس قد عرف عنه أنه كان يقول : أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله. وقد صح عن النبي ﷺ أنه دعا له بعلم تأويل الكتاب، فكيف لا يعلم التأويل مع أن قراءة عبد الله : إن تأويله إلا عند الله لا تناقض هذا القول ؟ فإن نفس التأويل لا يأتي به إلا الله، كما قال تعالى :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾ [ الأعراف : ٥٣ ]، وقال :﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ [ يونس : ٣٩ ].


الصفحة التالية
Icon