وأما اللغويون الذين يقولون : إن الراسخين لا يعلمون معنى المتشابه فهم متناقضون في ذلك، فإن هؤلاء كلهم يتكلمون في تفسير كل شيء في القرآن، ويتوسعون في القول في ذلك، حتى ما منهم أحد إلا وقد قال في ذلك أقوالا لم يُسبق إليها، وهي خطأ. وابن الأنبارى الذي/ بالغ في نصر ذلك القول هو من أكثر الناس كلامًا في معانى الآي المتشابهات، يذكر فيها من الأقوال ما لم ينقل عن أحد من السلف، ويحتج لما يقوله في القرآن بالشاذ من اللغة، وقصده بذلك الإنكار على ابن قتيبة، وليس هو أعلم بمعانى القرآن والحديث، وأتبع للسنة من ابن قتيبة، ولا أفقه في ذلك، وإن كان ابن الأنباري من أحفظ الناس للغة؛ لكن
باب فقه النصوص غير باب حفظ ألفاظ اللغة.
وقد نقم هو وغيره على ابن قتيبة كونه رد على أبي عبيد أشياء من تفسيره غريب الحديث، وابن قتيبة قد اعتذر عن ذلك، وسلك في ذلك مسلك أمثاله من أهل العلم، وهو وأمثاله يصيبون تارة، ويخطؤون أخرى، فإن كان المتشابه لا يعلم معناه إلا الله، فهم كلهم يجترئون على الله، يتكلمون في شيء لا سبيل إلى معرفته، وإن كان ما بينوه من معاني المتشابه قد أصابوا فيه ـ ولو في كلمة واحدة ـ ظهر خطؤهم في قولهم : إن المتشابه لا يعلم معناه إلا الله، ولا يعلمه أحد من المخلوقين، فليختر من ينصر قولهم هذا أو هذا.
ومعلوم أنهم أصابوا في شيء كثير مما يفسرون به المتشابه، وأخطؤوا في بعض ذلك، فيكون تفسيرهم هذه الآية مما أخطؤوا فيه العلم اليقيني، فإنهم أصابوا في كثير من تفسير المتشابه، وكذلك ما نقل عن قتادة من أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابه، فكتابه/ في التفسير من أشهر الكتب، ونقله ثابت عنه من رواية معمر عنه، ورواية سعيد بن أبي عَرُوَبة عنه؛ ولهذا كان المصنفون في التفسير عامتهم يذكرون قوله لصحة النقل عنه، ومع هذا يفسر القرآن كله محكمه ومتشابهه.