ومنها : أنا وجدنا هؤلاء كلهم لا يحتج عليهم بنص يخالف قولهم، لا في مسألة أصلية، ولا فرعية، إلا تأولوا ذلك النص بتأويلات متكلفة مستخرجة من جنس تحريف الكلم عن مواضعه، من جنس تأويلات الجهمية والقدرية للنصوص التي تخالفهم، فأين هذا من قولهم : لا يعلم معانى النصوص المتشابهة إلا الله تعالى ؟ ! واعتبر هذا بما تجده في كتبهم من مناظرتهم للمعتزلة في مسائل الصفات والقرآن والقدر، إذا احتجت المعتزلة على قولهم بالآيات التي تناقض قول هؤلاء، مثل أن يحتجوا بقوله :﴿ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ﴾ [ البقرة : ٢٠٥ ]، ﴿ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ﴾ [ الزمر : ٧ ]، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ]، ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ]، ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ يس : ٨٢ ]، ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ ﴾ [ البقرة : ٣٠ ]، ونحو ذلك كيف تجدهم يتأولون هذه النصوص بتأويلات غالبها فاسد، / وإن كان في بعضها حق ؟ فإن كان ما تأولوه حقًا، دل على أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، فظهر تناقضهم، وإن كان باطلًا فذلك أبعد لهم.


الصفحة التالية
Icon