والقول الثاني : مأثور عن جابر بن عبد الله أنه قال : المحكم : ما علم العلماء تأويله، والمتشابه : ما لم يكن للعلماء إلى معرفته سبيل كقيام الساعة، ومعلوم أن وقت قيام الساعة مما اتفق المسلمون على أنه لا يعلمه إلا الله. فإذا أريد بلفظ التأويل هذا كان المراد به لا يعلم وقت تأويله إلا الله، وهذا حق، ولا يدل ذلك على أنه لا يعرف معنى الخطاب بذلك، وكذلك إن أريد بالتأويل حقائق ما يوجد، وقيل : لا يعلم كيفية ذلك إلا الله، فهذا قد قدمناه، وذكر أنه على قول هؤلاء من وقف عند قوله :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ ﴾ [ آل عمران : ٧ ] هو الذي يجب أن يراد بالتأويل. وأما أن يراد بالتأويل التفسير، ومعرفة المعنى ويوقف على قوله :﴿ إِلاَّ اللّهُ ﴾ فهذا خطأ قطعا مخالف للكتاب والسنة، وإجماع المسلمين.
ومن قال ذلك من المتأخرين، فإنه متناقض، يقول ذلك، ويقول ما يناقضه، وهذا القول يناقض الإيمان بالله ورسوله من وجوه كثيرة، ويوجب القدح في الرسالة، ولا ريب أن الذي قالوه لم يتدبروا لوازمه وحقيقته، بل أطلقوه وكان أكبر قصدهم دفع تأويلات أهل البدع للمتشابه، وهذا الذي قصدوه حق، وكل مسلم يوافقهم عليه؛ لكن لا ندفع باطلًا بباطل آخر، ولا نرد بدعة ببدعة، ولا يرد تفسير/ أهل الباطل للقرآن بأن يقال : الرسول ﷺ والصحابة كانوا لا يعرفون تفسير ما تشابه من القرآن، ففي هذا من الطعن في الرسول وسلف الأمة ما قد يكون أعظم من خطأ طائفة في تفسير بعض الآيات، والعاقل لا يبنى قصرا ويهدم مصرًا.