وكذلك الرؤيا قد يراها الرجل، ويذكر له العابر تأويلها فيفهمه ويتصوره، مثل أن يقول : هذا يدل على أنه كان كذا، ويكون كذا وكذا، ثم إذا كان ذلك فهو تأويل الرؤيا ليس تأويلها نفس علمه وتصوره وكلامه؛ ولهذا قال يوسف الصديق :﴿ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ ﴾ [ يوسف : ١٠٠ ]، وقال :﴿ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ﴾ [ يوسف : ٣٧ ] فقد أنبأهما بالتأويل قبل أن يأتى التأويل، والأنباء ليس هو التأويل، فالنبي ﷺ عالم بالتأويل، وإن كان التأويل لم يقع بعد، وإن كان لا يعرف متى يقع فنحن نعلم ما ذكر الله في القرآن من الوعد والوعيد، وإن كنا لا نعرف متى يقع هذا التأويل المذكور في قوله سبحانه وتعالى :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾ الآية [ الأعراف : ٥٣ ]، وقال تعالى :﴿ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ﴾ [ الأنعام : ٦٧ ]، /فنحن نعلم مستقر نبأ اللّه، وهو الحقيقة التي أخبر اللّه بها، ولا نعلم متى يكون، وقد لا نعلم كيفيتها وقدرها، وسواء في هذا تأويل المحكم والمتشابه. كما قال الله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [ الأنعام : ٦٥ ]، قال النبي ﷺ :( إنها كائنة، ولم يأت تأويلها بعد ). فقد عرف تأويلها، وهو وقوع الاختلاف والفتن، وإن لم يعرف متى يقع، وقد لا يعرف صفته ولا حقيقته، فإذا وقع عرف العارف أن هذا هو التأويل الذي دلت عليه الآية، وغيره قد لا يعرف ذلك أو ينساه بعد ما كان عرفه، فلا يعرف أن هذا تأويل القرآن، فإنه لما نزل قوله تعالى :﴿ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ﴾ [ الأنفال


الصفحة التالية
Icon