وأيضًا، فإن الله ذكر هذا في سياق الذم لهم، وليس في كون الرجل لا يخط ذم إذا قام بالواجب، وإنما الذم على كونه لا يعقل/ الكتاب الذي أنزل إليه، سواء كتبه وقرأه أولم يكتبه، ولم يقرأه، كما قال النبي ﷺ :( هذا أوان يرفع العلم ). فقال له زياد بن لبيد : كيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن فوالله لنقرأنَّه ولنقرِئنَّه نساءنا ؟ فقال له :( إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة، أو ليست التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغنى عنهم ؟ ) وهو حديث معروف، رواه الترمذي وغيره؛ ولأنه قال تعالى قبل هذا :﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [ البقرة : ٧٥ ] فأولئك عقلوه ثم حرفوه، وهم مذمومون سواء كانوا يحفظونه بقلوبهم يكتبونه ويقرؤونه حفظا وكتابة، أو لم يكونوا كذلك، فكان من المناسب أن يذكر الذين لا يعقلونه وهم الذين لا يعلمونه إلا أماني، فإن القرآن أنزله الله كتابا متشابها مثاني، ويذكر فيه الأقسام والأمثال فيستوعب الأقسام، فيكون مثاني، ويذكر الأمثال فيكون متشابها. وهؤلاء وإن كانوا يكتبون ويقرؤون فهم أميون من أهل الكتاب، كما نقول نحن لمن كان كذلك : هو أمى، وساذج، وعامى، وإن كان يحفظ القرآن ويقرأ المكتوب إذا كان يعرف معناه.
وإذا كان اللّه قد ذم هؤلاء الذين لا يعرفون الكتاب إلا تلاوة دون فهم معانيه، كما ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون دل على أن كلا النوعين مذموم : الجاهل الذي لا/يفهم معاني النصوص، والكاذب الذي يحرف الكلم عن مواضعه. وهذا حال أهل البدع، فإنهم أحد رجلين :


الصفحة التالية
Icon