ولهذا لما احتجت الجهمية على السلف - كالإمام أحمد وغيره - على نفي الصفات باسم الواحد، قال أحمد : قالوا : لا تكونون موحدين أبدًا حتى تقولوا : قد كان الله، ولا شيء، قلنا : نحن نقول : كان الله ولا شيء، ولكن إذا قلنا : إن الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلهًا واحدًا، وضربنا لهم في ذلك مثلًا فقلنا : أخبرونا عن هذه النخلة، أليس لها جَذْعٌ وكِربٌ ولَيْفٌ وسَعَفٌ وخُوَصٌ وجُمَّارٌ واسمها شيء واحد، وسميت نخلة بجميع صفاتها ؟ فكذلك الله - وله المثل الأعلى - بجميع صفاته إله واحد، لا نقول : إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة، ولا نقول : قد كان في وقت من الأوقات لا يعلم حتى/خلق له علمًا، ولكن نقول : لم يزل عالمًا قادرًا مالكًا، لا متى ولا كيف. ومما يبين هذا أن سبب نزول هذه السورة الذي ذكره المفسرون يدل على ذلك فإنهم ذكروا أسبابا :
أحدها : ما تقدم عن أُبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله ﷺ : انسب لنا ربك، فنزلت هذه السورة.
والثاني : أن عامر بن الطفيل قال للنبي ﷺ : إلى ما تدعونا إليه يا محمد ؟ قال :( إلى الله ) قال : فصفه لي، أمن ذهب هو، أم من فضة، أم من حديد ؟ فنزلت هذه السورة. وروي ذلك عن ابن عباس من طريق أبي ظبيان، وأبي صالح عنه.
والثالث : أن بعض اليهود قال ذلك، قالوا : من أي جنس هو. وممن ورث الدنيا، ولمن يورثها ؟ فنزلت هذه السورة، قاله قتادة والضحاك. قال الضحاك وقتادة ومقاتل : جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي ﷺ فقالوا : يا محمد صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك، فإن الله أنزل نعته في التوراة، فأخبرنا به من أي شيء هو ؟ ومن أي جنس هو : أمن ذهب ؟ أم من نحاس هو ؟ أم من صفر ؟ أم من حديد ؟ أم من فضة ؟ وهل يأكل ويشرب ؟ وممن ورث الدنيا ؟ ولمن يورثها ؟ فأنزل الله هذه السورة. وهي نسبة الله خاصة.