وهذا مما يبين أن هذه السورة اشتملت على جميع أنواع التنزيه والتحميد، على النفي والإثبات؛ ولهذا كانت تعدل ثلث القرآن. فالصمدية تثبت الكمال المنافي للنقائص، والأحدية تثبت الانفراد بذلك، / وكذلك إذا نزه نفسه عن أن يلد فيخرج منه مادة الولد التي هي أشرف المواد، فلأن ينزه نفسه عن أن يخرج منه مادة غير الولد بطريق الأولى والأحرى، وإذا نزه نفسه عن أن يخرج منه مواد للمخلوقات فلأن ينزه عن أن يخرج منه فضلات لا تصلح أن تكون مادة بطريق الأولى والأحرى. والإنسان يخرج منه مادة الولد، ويخرج منه مادة غير الولد، كما يخلق من عرقه ورطوبته القمل والدود وغير ذلك، ويخرج منه المخاط والبصاق وغير ذلك. وقد نزه الله أهل الجنة عن أن يخرج منهم شيء من ذلك، وأخبر الرسول ﷺ أنهم لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يبصقون، ولا يتمخطون، وأنه يخرج منهم مثل رشح المسك، وأنهم يجامعون بذكر لا يخفي، وشهوة لا تنقطع، ولا مني، ولا منية، وإذا اشتهي أحدهم الولد كان حمله ووضعه في زمن يسير.
فقد تضمن تنزيه نفسه عن أن يكون له ولد، وأن يخرج منه شيء من الأشياء، كما يخرج من غيره من المخلوقات، وهذا ـ أيضًا ـ من تمام معنى الصمد، كما سبق في تفسيره أنه الذي لا يخرج منه شيء، وكذلك تنزيه نفسه عن أن يولد ـ فلا يكون من مثله ـ تنزيه له أن يكون من سائر المواد بطريق الأولى والأحرى.