فكذلك الأحوال، فإذا كان عنده قلة معرفة بحقيقة دين محمد ﷺ أمرته الشياطين بأمر لا ينكره، فتارة يحملون أحدهم في الهواء ويقفون به بعرفات ثم يعيدونه إلى بلده، وهو لابس ثيابه لم يحرم حين حاذى المواقيت، ولا كشف رأسه، ولا تجرد عما يتجرد عنه المحرم، ولا يدعونه بعد الوقوف يطوف طواف الإفاضة ويرمي الجمار ويكمل حجه، بل يظن أن مجرد الوقوف ـ كما فعل ـ/عبادة، وهذا من قلة علمه بدين الإسلام، ولو علم دين الإسلام لعلم أن هذا الذي فعله ليس عبادة لله، وأنه من استحل هذا فهو مرتد يجب قتله. بل اتفق المسلمون على أنه يجب الإحرام عند الميقات ولا يجوز للإنسان المحرم اللبس في الإحرام إلا من عذر، وأنه لا يكتفي بالوقوف، بل لابد من طواف الإفاضة باتفاق المسلمين، بل وعليه أن يفيض إلى المشعر الحرام، ويرمي جمرة العقبة، وهذا مما تُنُوزع فيه هل هو ركن، أو واجب يجبره دم ؟ وعليه ـ أيضًا ـ رمي الجمار أيام مني باتفاق المسلمين، وقد تحمل أحدهم الجن فتزوره بيت المقدس وغيره، وتطير به في الهواء، وتمشي به في الماء، وقد تريه أنه قد ذهب به إلى مدينة الأولياء، وربما أرته أنه يأكل من ثمار الجنة، ويشرب من أنهارها.
وهذا كله وأمثاله مما أعرفه قد وقع لمن أعرفه، لكن هذا باب طويل ليس هذا موضع بسطه.
وإنما المقصود أن أصل الشرك في العالم كان من عبادة البشر الصالحين، وعبادة تماثيلهم، وهم المقصودون. ومن الشرك ما كان أصله عبادة الكواكب : إما الشمس وإما القمر وإما غيرهما، وصورت الأصنام طلاسم لتلك الكواكب. وشرك قوم إبراهيم ـ والله أعلم ـ كان من هذا، أو كان بعضه من هذا. ومن الشرك ما كان أصله عبادة الملائكة أو الجن، وضعت الأصنام لأجلهم، وإلا فنفس الأصنام/الجمادية لم تعبد لذاتها، بل لأسباب اقتضت ذلك، وشرك العرب كان أعظمه الأول، وكان فيه من الجميع.