ويوسف ﷺ صبر على الذنب مطلقًا، ولم يوجد منه إلا هَمٌّ تركه لله كتب له به حسنة. وقد ذكر طائفة من المفسرين أنه وجد منه بعض المقدمات، مثل حل السراويل والجلوس مجلس الخاتن ونحو ذلك، لكن ليس هذا منقولاً نقلاً يصدق به، فإن هذا لم ينقل عن النبي ﷺ. ومثل هذه الإسرائيليات إذا لم تنقل عن النبي ﷺ لم يعرف صدقها؛ ولهذا لا يجوز تصديقها ولا تكذيبها إلا بدليل، والله تعالى يقول في القرآن :﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء ﴾ [ يوسف : ٢٤ ]، فدل القرآن على أنه صرف عنه السوء /والفحشاء مطلقًا، ولو كان قد فعل صغيرة لتاب منها. والقرآن ليس فيه ذكر توبته. ومن وقع منه بعض أنواع السوء والفحشاء لم يكن ذلك قد صرف عنه، بل يكون قد وقع وتاب الله عليه منه، والقرآن يدل على خلاف هذا. وقد شهدت النسوة له أنهن ما علمن عليه من سوء، ولو كان قد بدت منه هذه المقدمات، لكانت المرأة قد رأت ذلك، وهي من النسوة اللاتي شهدن وقلن :﴿ مَا عَلِمْنَا عليه مِن سُوءٍ ﴾ [ يوسف : ٥١ ]، وقالت مع ذلك :﴿ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ ﴾ [ يوسف : ٣٢ ]، وقالت ﴿ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [ يوسف : ٥١ ]، وقوله :[ سوء ] نكرة في سياق النفي، فدل ذلك على أن المرأة لم تر منه سوءًا، فإن الهم في القلب لم تطلع عليه، ولو اطلعت عليه، فإنه إذا تركه لله كان حسنة، ولو تركه مطلقًا لم يكن حسنة ولا سيئة، فإنه لا إثم فيه إلا مع القول أو العمل.


الصفحة التالية
Icon