وكذلك أكله ما كان يجد من الطعام، ولبسه الذي يوجد بمدينته طيبة مخلوقًا فيها، ومجلوبًا إليها من اليمن وغيرها؛ لأنه هو الذي يسره الله له، فأكله التمر، وخبزه الشعير، وفاكهته الرطب والبطيخ الأخضر والقثاء، ولبس ثياب اليمن؛ لأن ذلك هو كان أيسر في بلده من الطعام والثياب، لا لخصوص ذلك، فمن كان ببلد آخر وقوتهم البُرُّ والذرة، وفاكهتهم العنب والرمان، ونحو ذلك، وثيابهم مما ينسج بغير اليمن القز لم يكن إذا قصد أن يتكلف من القوت والفاكهة واللباس ما ليس في بلده ـ بل يتعسر عليهم ـ متبعًا للرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كان ذلك الذي يتكلفه تمرًا أو رطبًا أو خبز شعير، فعلم أنه لابد في المتابعة للنبي ﷺ من اعتبار القصد والنية فـ ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ).
فعلم أن الذي عليه جمهور الصحابة وأكابرهم هو الصحيح، ومع هذا فابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ لم يكن يقصد أن يصلي إلا في مكان صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن يقصد الصلاة في موضع نزوله ومقامه، ولا كان أحد من الصحابة يذهب إلى الغار المذكور في القرآن للزيارة والصلاة فيه ـ وإن كان النبي ﷺ وصاحبه أقاما به ثلاثًا يصلون فيه الصلوات الخمس ـ ولا كانوا أيضًا يذهبون إلى حراء وهو المكان الذي كان يتعبد فيه قبل النبوة /وفيه نزل عليه الوحي أولًا، وكان هذا مكان يتعبدون فيه قبل الإسلام، فإن حراء أعلى جبل كان هناك، فلما جاء الإسلام ذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة مرات بعد أن أقام بها قبل الهجرة بضع عشرة سنة، ومع هذا فلم يكن هو ولا أصحابه يذهبون إلى حراء.