ودين الإسلام أنه لا تقصد بقعة للصلاة إلا أن تكون مسجدًا فقط؛ ولهذا مشاعر الحج ـ غير المسجد الحرام ـ تقصد للنسك، لا للصلاة فلا صلاة بعرفة، وإنما صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر يوم عرفة بعرفة خطب بها ثم صلى، ثم بعد الصلاة ذهب إلى عرفات، فوقف بها، وكذلك يذكر الله ويدعى بعرفات وبمزدلفة على قزح، وبالصفا والمروة، وبين الجمرات، وعند الرمي. ولا تقصد هذه البقاع للصلاة. وأما غير المساجد ومشاعر الحج فلا تقصد بقعة لا للصلاة، ولا للذكر، ولا للدعاء، بل يصلي المسلم حيث أدركته الصلاة، إلا حيث نهي، ويذكر الله ويدعوه حيث تيسر من غير قصد تخصيص بقعة بذلك، وإذا اتخذ بقعة لذلك كالمشاهد نهي عن ذلك، كما نهي عن الصلاة في المقبرة، إلا ما يفعله الرجل عند السلام على الميت من /الدعاء له وللمسلمين، كما يفعل مثل ذلك في الصلاة على الجنازة، فإن زيارة قبر المؤمن من جنس الصلاة على جنازته، يفعل في هذا من جنس ما يفعل في هذا، ويقصد بالدعاء هنا ما يقصد بالدعاء هنا.
ومما يشبه هذا أن الأنصار بايعوا النبي ﷺ ليلة العقبة بالوادى الذي وراء جمرة العقبة؛ لأنه مكان منخفض قريب من منى، يستر من فيه، فإن السبعين الأنصار كانوا قد حجوا مع قومهم المشركين، ومازال الناس يحجون إلى مكة قبل الإسلام وبعده، فجاؤوا مع قومهم إلى منى؛ لأجل الحج، ثم ذهبوا بالليل إلى ذلك المكان لقربه وستره لا لفضيلة فيه، ولم يقصدوه لفضيلة تخصه بعينه.