وكان لإبراهيم ولآل إبراهيم من محبة الله وعبادته والإيمان به وطاعته ما لم يكن لغيرهم، فخصهم الله بأن جعل لبيته الذي بنوه له خصائص لا توجد لغيره، وجعل ما جعله من أفعالهم قدوة للناس وعبادة يتبعونهم فيها، ولا ريب أن الله شرع لإبراهيم السعى ورمي الجمار والوقوف بعرفات بعد ما كان من أمر هاجر وإسماعيل وقصة الذبح وغير ذلك ما كان، كما شرع لمحمد الرَّمْلَ في الطواف حيث أمره أن ينادى في الناس بحج البيت، والحج مبناه على الذل والخضوع لله؛ ولهذا خص باسم النسك، والنَّسْكُ في اللغة : العبادة.
قال الجوهري : النَّسْكُ : العبادة، والنَّاسِكُ : العابد، وقد نَسَكَ وتَنَسَّك، أي : تعبد، ونَسُك بالضم، أي : صار ناسكا، ثم خص الحج باسم النسك؛ لأنه أدخل في العبادة والذل لله من غيره، ولهذا كان فيه من الأفعال ما لا يقصد فيه إلا مجرد الذل لله، والعبادة له، كالسعى ورمي الجمار. قال النبي ﷺ :( إنما جعل رمي الجمار والسعى بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله ) رواه الترمذي. وخص بذلك الذبح الفداء ـ أيضًا ـ دون مطلق الذبح؛ لأن إراقة الدم لله أبلغ في الخضوع والعبادة له، ولهذا كان من كان قبلنا لا يأكلون القربان، بل تأتى نار من السماء فتأكله؛ ولهذا قال تعالى :﴿ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [ آل عمران : ١٨٣ ].