وقد قال تعالى :﴿ فصل لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [ الكوثر : ٢ ]، أي : انحر لربك، كما قال الخليل :﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنعام : ١٦٢ ]، وقد قال هو وإسماعيل ـ إذ يرفعان القواعد من البيت ـ :﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ﴾ [ البقرة : ١٢٧، ١٢٨ ]، فالمناسك هنا مشاعر الحج كلها، كما قال تعالى :﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ﴾ [ الحج : ٦٧ ]، وقال تعالى :﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [ الحج : ٣٤ ]، وقال :﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ﴾ [ الحج : ٣٧ ]، كما قال تعالى :﴿ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [ الحج : ٣٢ ].
فالمقصود تقوى القلوب لله وهو عبادتها له وحده دون ما سواه بغاية العبودية له، والعبودية فيها غاية المحبة وغاية الذل والإخلاص، وهذه ملة إبراهيم الخليل، وهذا كله مما يبين أن عبادة القلوب هي الأصل، كما قال النبي ﷺ :( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )، /والنية والقصد هما عمل القلب، فلابد في المتابعة للرسول ﷺ من اعتبار النية والقصد.