وهذا كما أن الكفار من اليهود والنصارى إذا لبسوا ثوب الغيار من أصفر وأزرق نهي عن لباسه لما فيه من التشبه بهم، وإن كان لو خلا عن ذلك لم يكره، وفي بلاد لا يلبس هذه الملابس عندهم إلا الكفار فنهي عن لبسها، والذين اعتادوا ذلك من المسلمين لا مفسدة عندهم في لبسها.
ولهذا كره أحمد وغيره لباس السواد لما كان في لباسه تشبه بمن يظلم أو يعين على الظلم، وكره بيعه لمن يستعين بلبسه على الظلم، فأما إذا لم يكن فيه مفسدة لم ينه عنه.
وكره من كره من الصحابة والتابعين بيع الأرض الخراجية؛ لأن/ المسلم المشترى لها إذا أدى الخراج عنها أشبه أهل الذمة في التزام الجزية، فإن الخراج جزية الأرض، وإن لم يؤدها ظلم المسلمين بإسقاط حقهم من الأرض، لم يكرهوا بيعها لكونها وقفا، فإن الوقف إنما منع من بيعه لأن ذلك يبطل الوقف؛ ولهذا لا يباع ولا يوهب ولا يُورث، والأرض الخراجية تنتقل إلى الوارث باتفاق العلماء، وتجوز هبتها، والمتهب المشترى يقوم فيها مقام البائع فيؤدى ما كان عليه من الخراج، وليس في بيعها مضرة لمستحقى الخراج، كما في بيع الوقف. وقد غلط كثير من الفقهاء فظنوا أنهم كرهوا بيعها لكونها وقفًا، واشتبه عليهم الأمر؛ لأنهم رأوا الآثار مروية في كراهة بيعها، وقد عرفوا أن عمر جعلها فيء ا لم يقسمها قط، وذلك في معنى الوقف، فظنوا أن بيعها مكروه لهذا المعنى، ولم يتأملوا حق التأمل، فيرون أن هذا البيع ليس هو من جنس البيع المنهي عنه في الوقف، فإن هذه يصرف مغلها إلى مستحقها قبل البيع وبعده، وعلى حد واحد، ليست كالدار التي إذا بيعت تعطل نفعها عن أهل الوقف وصارت للمشتري.