فلما كف جمهورهم عن قتاله، وعرف أنهم مسلمون أطلقهم، ولم يغنم أموالهم ولا حريمهم، ولم يضرب الرق لا عليهم ولا على أولادهم بل سماهم الطلقاء من قريش، بخلاف ثقيف، فإنهم سموا العتقاء، فإنه أعتق أولادهم بعد الاسترقاق والقسمة، وكان في هذا ما دل على أن الإمام يفعل بالأموال والرجال والعقار والمنقول ما هو أصلح، فإن النبي ﷺ فتح خيبر فقسمها بين المسلمين، وسبى بعض نسائها، وأقر سائرهم مع ذراريهم حتى أجلوا بعد ذلك، فلم يسترقهم، ومكة فتحها عنوة ولم يقسمها لأجل المصلحة.
وقد تنازع العلماء في الأرض إذا فتحت عنوة هل يجب قسمها كخيبر لأنها مغنم ؟ أو تصير فيئا كما دلت عليه سورة الحشر، وليست الأرض من المغنم ؟ أو يخير الإمام فيما بين هذا وهذا ؟ على ثلاثة أقوال، وأكثر العلماء على التخيير، وهو الصحيح، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه وغيرهما.
ولو فتح الإمام بلدًا وغلب على ظنه أن أهله يسلمون ويجاهدون جاز أن يمن عليهم بأنفسهم وأموالهم وأولادهم، كما فعل النبي ﷺ بأهل مكة، فإنهم أسلموا كلهم بلا خلاف، بخلاف أهل خيبر فإنه لم يسلم منهم أحد، فأولئك قسم أرضهم؛ لأنهم كانوا كفارًا مصرين على الكفر، وهؤلاء تركها لهم؛ لأنهم كلهم صاروا مسلمين، والمقصود بالجهاد : أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، وقد كان النبي ﷺ يعطى المؤلفة قلوبهم ليتألفهم على الإسلام، فكيف لا يتألفهم بابقاء ديارهم وأموالهم ؟ !