وأما إذا حدث سبب تشرع الصلاة لأجله، مثل تحية المسجد، وصلاة الكسوف، وسجود التلاوة، وركعتى الطواف، وإعادة الصلاة مع إمام الحي ونحو ذلك، فهذه فيها نزاع مشهور بين العلماء، والأظهر جواز ذلك واستحبابه، فإنه خير لا شر فيه، وهو يفوت إذا ترك، وإنما نهي عن قصد الصلاة وتحريها في ذلك الوقت لما فيه من مشابهة الكفار بقصد السجود ذلك الوقت، فما لا سبب له قد قصد فعله في ذلك الوقت، وإن لم يقصد الوقت، بخلاف ذي السبب فإنه فعل لأجل السبب فلا تأثير فيه للوقت بحال، ونهي النبي ﷺ عن الصلاة في المقبرة عموما فقال :( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) رواه أهل السنن، وقد روى مسندًا ومرسلًا، وقد صحح الحفاظ أنه مسند، فإن الحمام مأوى الشياطين، والمقابر نهى عنها/ لما فيه من التشبه بالمتخذين القبور مساجد، وإن كان المصلى قد لا يقصد الصلاة لأجل فضيلة تلك البقعة، بل اتفق له ذلك.
لكن فيه تشبه بمن يقصد ذلك، فنهي عنه كما ينهي عن الصلاة المطلقة وقت الطلوع والغروب. وإن لم يقصد فضيلة ذلك الوقت لما فيه من التشبه بمن يقصد فضيلة ذلك الوقت وهم المشركون، فنهيه عن الصلاة في هذا الزمان، كنهيه عن الصلاة في ذلك المكان، فلما كان الشرك الذي أضل أكثر بنى آدم أصله وأعظمه من عبادة البشر والتماثيل المصورة على صورهم، فإن المشركين قد اعتادوا آلهة يلدون ويولدون، ويَرثون و يُورثون، ويكونون من شيء من الأشياء، فسألوا النبي ﷺ عن إلهه الذي يعبده : من أي شيء هو ؟ أمن كذا أم من كذا ؟ وممن ورث الدنيا ؟ ولمن يورثها ؟ فقال تعالى :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [ سورة الإخلاص ].
وفي حديث أبي بن كعب :( لأنه ليس أحد يولد إلا يموت، ولا أحد يرث إلا يورث ). يقول : كل من عُبِدَ من دون الله قد وُلِدَ مثل المسيح والعزير وغيرهما من الصالحين وتماثيلهم، ومثل الفراعنة المدعين الإلهية، فهذا مولود يموت، وهو وإن كان ورث من غيره ما هو فيه، فإذا مات ورثه غيره. والله - سبحانه - حي لا يموت، ولا يورث ـ سبحانه وتعالى. والله أعلم، وصلى الله على محمد.