قال ابن قتيبة : ويقال : الغاسق : القمر إذا كُسف واسود. ومعنى وقب : دخل في الكسوف، وهذا ضعيف، فإن ما قال رسول الله ﷺ لا يعارض بقول غيره، وهو لا يقول إلا الحق، وهو لم يأمر عائشة بالاستعاذة منه عند كسوفه، بل مع ظهوره، وقد قال الله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ﴾ [ الإسراء : ١٢ ]، فالقمر آية الليل. وكذلك النجوم إنما تطلع فترى بالليل، فأمره بالاستعاذة من ذلك أمر بالاستعاذة من آية الليل، ودليله وعلامته، والدليل مستلزم للمدلول، فإذا كان شر القمر موجودًا، فشر الليل موجود، وللقمر من التأثير ما ليس لغيره، فتكون الاستعاذة من الشر الحاصل عنه أقوى، ويكون هذا كقوله عن المسجد المؤسس على التقوى :( هو مسجدي هذا ) مع أن الآية تتناول مسجد قباء قطعًا. وكذلك قوله عن أهل الكساء :( هؤلاء أهل بيتى ) مع أن القرآن يتناول نساءه، فالتخصيص لكون المخصوص أولى بالوصف، فالقمر أحق ما يكون بالليل بالاستعاذة والليل مظلم، تنتشر فيه شياطين/الإنس والجن ما لا تنتشر بالنهار، ويجرى فيه من أنواع الشر ما لا يجرى بالنهار من أنواع الكفر والفسوق والعصيان والسحر والسرقة والخيانة والفواحش وغير ذلك، فالشر دائمًا مقرون بالظلمة؛ ولهذا إنما جعله الله لسكون الآدميين وراحتهم، لكن شياطين الإنس والجن تفعل فيه من الشر ما لا يمكنها فعله بالنهار، ويتوسلون بالقمر وبدعوته، والقمر وعبادته، وأبو معشر البلخى له [ مصحف القمر ] يذكر فيه من الكفريات والسحريات ما يناسب الاستعاذة منه.
فذكر ـ سبحانه ـ الاستعاذة من شر الخلق عمومًا، ثم خص الأمر بالاستعاذة من شر الغاسق إذا وقب، وهو الزمان الذي يعم شره، ثم خص بالذكر السحر والحسد.