وأيضًا، فإنه ذكر في الآية :﴿ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ ﴾، فإن كان المقصود أن يستعيذ الناس بربهم وملكهم وإلههم من شر ما يوسوس في صدورهم، فإنه هو الذي يطلب منه الخير الذي ينفعهم، ويطلب منه دفع الشر الذي يضرهم؛ والوسواس أصل كل شر يضرهم؛ لأنه مبدأ للكفر والفسوق والعصيان، وعقوبات الرب إنما تكون على ذنوبهم، وإذا لم يكن لأحدهم ذنب فكل ما يصيبه نعمة في حقه، وإذا ابتلى بما يؤلمه فإن اللّه يرفع درجته ويأجره، إذا قدر عدم الذنوب مطلقًا، لكن هذا ليس بواقع منهم، فإن كل بنى آدم خطاء وخير الخاطئين التوابون، وقد قال تعالى :﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [ الأحزاب : ٧٢، ٧٣ ]
فغاية المؤمنين الأنبياء فمن دونهم هي التوبة، قال اللّه تعالى :﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [ البقرة : ٣٧ ]، وقال نوح :﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمنى أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [ هود : ٤٧ ]، وقال إبراهيم وإسماعيل :﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [ البقرة : ١٢٨ ]، وقال موسى :﴿ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ]. ودعاء نبينا بمثل ذلك كثير معروف.


الصفحة التالية
Icon