وممن ذكر تفضيل بعض القرآن على بعض في نفسه، أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، كالشيخ أبي حامد الاسفرائيني، والقاضي أبي الطيب، وأبي إسحاق الشيرازي وغيرهم، ومثل القاضي أبي يعلى، والحلواني الكبير وابنه عبد الرحمن، وابن عقيل. قال أبو الوفاء ابن عقيل في/كتاب [ الواضح في أصول الفقه ] في احتجاجه على أن القرآن لا ينسخ بالسنة قال : فمن ذلك قوله :﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ [ البقرة : ١٠٦ ]، وليست السنة مثل القرآن ولا خيرًا منه، فبطل النسخ بها؛ لأنه يؤدي إلى المحال، وهو كون خبره بخلاف مخبره، وذلك محال على اللّه، فما أدى إليه فهو محال.
قال : فإن قيل : أصل استدلالكم مبني على أن المراد بالخير الفضل وليس المراد به ذلك، وإنما المراد : نأت بخير منها لكم، وذلك يرجع إلى أحد أمرين في حقنا : إما سهولة في التكليف، فهو خير عاجل، أو أكثر ثوابًا؛ لكونه أثقل وأشق، ويكون نفعًا في الآجل والعاقبة، وكلاهما قد يتحقق بطريق السنة. ويحتمل ﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ﴾ لا ناسخًا لها، بل يكون تكليفا مبتدأ هو خير لكم، وإن لم يكن طريقه القرآن الناسخ ولا السنة الناسخة. قالوا : يوضح هذه التأويلات، أن القرآن نفسه ليس بعضه خيرًا من بعض، فلابد أن يصرفوا اللفظ عن ظاهره من خير يعود إلى التكليف لا إلى الطريق.


الصفحة التالية
Icon