وربما نقل عن بعض السلف في قوله تعالى :﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ﴾ [ البقرة : ١٠٦ ] أنه قال :/خير لكم منها، أو أنفع لكم، فيظن الظان أن ذلك القائل موافق لهؤلاء ـ وليس كذلك ـ بل مقصوده بيان وجه كونه خيرًا وهو أن يكون أنفع للعباد، فإن ما كان أكثر من الكلام نفعا للعباد، كان في نفسه أفضل، كما بين في موضعه. وصار من سلك مسلك الكلابية ـ من متأخرى أصحاب أحمد ومالك والشافعي وغيرهم ـ يظنون أن القول بتفاضل كلام اللّه بعضه على بعض إنما يمكن على قول المعتزلة ونحوهم الذين يقولون : إنه مخلوق، فإن القائلين بأنه مخلوق، يرون فضل بعضه على بعض فضل مخلوق على مخلوق، وتفضيل بعض المخلوقات على بعض لا ينكره أحد، فإذا ظن أولئك أن القول بتفضيل بعض كلام اللّه على بعض مستلزم لكون القرآن مخلوقا؛ فروا من ذلك وأنكروا القول به، لأجل ما ظنوه من التلازم، وليس الأمر كما ظنوه، بل سلف الأمة وجمهورها يقولون : إن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، وكذلك سائر كلام اللّه غير مخلوق. ويقولون مع ذلك : إن كلام الله بعضه أفضل من بعض كما نطق بذلك الكتاب والسنة وآثار الصحابة والتابعين من غير خلاف يعرف في ذلك عنهم.


الصفحة التالية
Icon