وأيضًا، فالخبر يتضمن العلم بالمخبر به، والأمر يتضمن طلبًا وإرادة للمأمور به وإن لم يكن ذلك إرادة فعل الأمر، والله ـ تعالى ـ أمر العباد بما أمرهم به، ولكن أعان أهل الطاعة، فصار مريدًا لأن يخلق أفعالهم، ولم يُعِنْ أهل المعصية، فلم يرد أن يخلق أفعالهم. فهذه الإرادة الخلقية القدرية لا تستلزم الأمر، وأما الإرادة ـ بمعنى أنه يحب فعل ما أمر به ويرضاه إذا فعل، ويريد من المأمور أن يفعله من حيث هو مأمور- فهذه لابد منها في الأمر؛ ولهذا أثبت الله هذه الإرادة في الأمر دون الأولى، ولكن في الناس من غلط فنفي الإرادة مطلقًا، وكلا الفريقين لم يميز بين الإرادة الخلقية والإرادة الأمرية. والقرآن فَرَّق بين الإرادتين، فقال في الأولى :﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ]، وقال نوح :﴿ وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾ [ هود : ٣٤ ]، وقال :﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [ البقرة : ٢٥٣ ]، وقال :﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [ الكهف : ٣٩ ] ؛ ولهذا قال المسلمون : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وقال في الثانية :﴿ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [ البقرة : ١٥٨ ]، وقال :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [ الأحزاب : ٣٣ ]، وقال :﴿ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عليكم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عليكمْ ﴾ [ المائدة : ٦ ]، /وقال :{ يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ


الصفحة التالية
Icon